لطالما رأيتُ أنّ الدّولة تكون في أوجِها في أوّل يومٍ دراسيّ من كلّ عام. بعد سهرٍ ولعب وعدم كتابة أيّ كلمة أو قراءة أيّ كتاب لمدّة ثلاثة شهور من العطلة، يبدأ العام الدراسيّ من جديد.
شوارعٌ مليئة بالمارّة، ازدحام سيّارات مليئة بأطفال ومراهقين، يلبسون الزيّ المدرسيّ المكويّ والنظيف والجديد. منظّمو السّير على مداخل المدارس مؤهبون، حقائب جديدة، دفاتر مُجلّدة، مِقلمة تحتوي على اثنين من كلّ شيء، وهي مستعدّة، عقول خضراء، وأجساد تعيش ساعات الصّباح من جديد.
عادةً ما يأتي بعض الطّلبة للصّفوف وقد تركوا قلوبهم في أجواء العطلة الصّيفيّة؛ فالطّالب في الصّف وعقله على شاطئ البحر عند أعمامه، والطّالبة في الصّف وعقلها في نادي السّباحة الصّيفيّ. آخر مع أصدقائه في المطعم، وأخرى في السّينما أو عند الجيران. هُنا، وفقط مِن هُنا يبدأ سِحر الأستاذ.
كيف في خمسٍ وأربعين دقيقة أو أقل من اليوم الأوّل ستخبر طلبتك أنّ هذه الحصّة ستكون ممتعة، وسهلة، ومليئة بالتّحديات، ومفيدة، وهدفها أوسع من العَلامة، وتحتاج لالتزام، وفيها أنشطة.. إلخ؟ كيف ستخبره وتقنعه أنّ ما ستتعلّمه في هذا الصّف يفوق أن يتّسع له أيّ كتاب، يفوق أن ينتهي أثره بانتهاء العام، أو بانتهاء حتّى دراستك الجامعيّة؟
كيف سنقنع الطّالب أنّ حضوره للصّف رغم ثقله مقارنة بعطلة مريحة، هو لمصلحته حقّاً؟ كيف ستستحضر له مستقبله وهو لا يدرك بعد اسم مدرسته الجديدة حتّى؟
هناك عدّة أنشطة يستطيع بها الأستاذ "كسر الثّلج" و"إذابة الجليد" وجذب الطّلاب له وبالتّالي لحصّته. فكثيراً ما يتعلّق حُب مادّة ما لدى الأطفال والمراهقين بحبّهم لأستاذها:
العُطلة: تحدّث مع الطّلبة عن عطلتهم، تذكّر أنهم يرونك "الوحش" الذي أخرجهم من عطلتهم وجلبهم لقاعة مليئة بالمقاعد ولوح واحد. اسألهم عن أماكن زاروها في العطلة، اطلب منهم أن يحضروا في اليوم التّالي صوراً التقطوها في تلك الفترة. اعرضها على باقي الطّلبة، اطلب من صاحب الصّورة أن يتحدّث عنها؛ إنّ إظهار اهتمامك الشّخصي بالطّالب سيجعلك ومادّتك أقرب إليه. سيلجأ الطّالب إليك إن واجه صعوبةً في أمر ما، وسيدرك تماماً أنّ أستاذه هو أيضاً صديقه، والأطفال يستمعون ويحفظون ما يخبره به أصدقاؤهم. صورة وكلمة: قُم بعرض صور مختلفة انتقيتها بعناية. على أن تكون منوّعة بين الرّياضة والفنّ والطّعام والسّياحة والأزياء والأفلام، ضع سؤالاً لكلّ صورة. مثلاً صورة لفريق مدريد لكرة القدم والسّؤال "من أفضل لاعب في الفريق؟" أو صورة لمعلم سياحيّ والسّؤال "أين يقع؟" إن شعر الطّلاب بالرّاحة فستراهم يتقافزون ويتسابقون للإجابة، وفي حال اختلفوا في إجاباتهم فستراهم يتناقشون ويحاول كلّ منهم إقناع الآخر. هُنا تكون قد "كسرت الثّلج" بين الزّملاء. دائماً ما أطلب من طلبتي اختيار صورة مميّزة، وتحضير معلومات عنها مثل اسم المصوّر، تاريخ وسبب التقاط الصّورة، المكان..الخ. إنّ الفنّ البصري مُلفِت وجاذب للعقول ويثير اهتمام الغالبيّة، وحتّى إن لم يكن لدى الطّالب حس فنيّ في التّصوير مثلاً. البحث عن الكنز: قم بتوزيع قطع حلوى أو أدوات مدرسيّة جديدة حول المدرسة ومربوطة فيها معلومات مفيدة تتحدّث عن المادّة التي سيدرسها الطّلبة هذا العام. بشرط : "من يجد الحلوى يأكلها، وعليه أن يُطلع باقي الصّف على المعلومة التي وجدها". أطلق لهم العنان للتّجول في المدرسة على أن يكونوا في فِرَق ليتعرّفوا على بعضهم البعض بطريقة أفضل. حدّد لهم عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة، وانتظر عودتهم وأعلِن الفائز. ما اسمك؟ : أحضر مجموعة من الكراتين الملوّنة والأقلام الملوّنة والمقصّات، واجعل كل طالب يكتب اسمه ويزيّنه على كرتونة ويلصقها على ظهر كتاب المادّة، ليصبح للكتاب هذا خصوصيّته لدى الطّالب. ماذا تريد من هذه المادّة؟: على كل طالبين تسجيل فيديو قصير يتحدّث عن الفائدة المتوقّعة من هذه المادّة على أن يفوز أفضل فيلم قصير بعلامات. اربط العلامات بالإبداع، والتميّز، والمتعة لا تربطها فقط بالاختبارات فتصبح لدى الطّالب هاجساً لا يصل إليه إلا إذا "حفط" المادّة. صح أم خطأ؟ : اعرض عشرين سؤالاً أو جملة عن المادّة، واجعل الطّلاب يكتشفون الصّحيح منها وغير الصحيح. بهذا تتوضّح صورة المادّة لعامهم هذا بطريقة أقرب وممتعة. تحَضير الصّف: اطلب من الطلبة مساعدتك في تزيين صفّهم معك حسب المادّة. في حصّتي التّصوير كنت قد اشتريت أجهزة وعدّة حديثة للإضاءة، طلبت من الطّلبة فتح الصّناديق والعمل على تركيبها. احتاج ذلك منهم ساعة تقريباً ولكنّهم طلبوا منّي ألّا ألمس أيّ شيء ليكملوها هم بأنفسهم غداً. فالطّلبة يحبّون الأماكن التي لهم فيها بصمتهم الخاصّة، حتّى إنكّ ستلاحظ لاحقاً اهتمامهم بِها، وبالمحافظة عليها. هذه الطّرق ما هي إلا طرق بسيطة من مئات الأساليب التي يستطيع الأستاذ تطبيقها بهدف جلب المّتعة لحصّته. إنّ دور الأستاذ مهم في جلب الطّالب لصفّه ومادته، أخبر طلابك "الآن حان الوقت لتبدعوا أنتم، وتتفوقوا، وتخترعوا، وتكتشفوا، وتتعلّموا ، وتكبروا، وتبحثوا، .وتأتوا للعالم بما هو جَديد. حان الوقت لتضيفوا للعالم بصمةً لم يسبق أن رآها أحد، وأن تتأكّدوا أنّ بصمتكم لن تتكرّر مرّةً أخرى ولن يكون لها مثيل."
تذكّر واسأل نفسك، عندما كبرت ماذا تتذكّر أكثر؟ تفاصيل الدّرس أم تفاصيل أستاذها؟ لتكُن محطّةً إيجابيّة يقف عندها الطّلبة عاماً ليكملوا بعدها طريق علمهم.